اريد ان اكون اما
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
اريد ان اكون اما
أريد أن اكون أمــاً
كان حلم الأمومة "شيئا" دافئا ألجأ إليه كل ما ضيق الزمن خناقه علي ..
فما إن إغرق نفسي ب "تفاصيل الشعور" حتى تتلاشى كل ذرات الشعور السيء لدي ...
في صغري .....
سريري كان ينام عليه ما يربوا على العشرين دمية ... اهتمامي بها يأخذ جل وقتي .. كنت الطفلة الصغرى في الأسرة ... وكثيرا ما استمعت لتعليقات ساخرة من أخوتي .. على اهتمامي الزائد بالدمى ... غير أني لم أكن أنصت إليها مطلقا ..
في نهاية الصيف الماضي ... لاحظت أن خالتي متعبة / شاحبة قليلا ... ومع كل "خميس" نجتمع فيه .. كنت ألاحظ انتفاخ بطنها شيئا فشيئا ... حين سألتها ذات يوم .. أخبرتني بأنها تحمل في أحشاءها طفلا .....
ذات "خميس" لم تأت خالتي ...
أخبرتني أمي بأنها أنجبت "طفلة" ..
وأخبرتني ابنة خالتي بأنه أصبح لديها "أخت صغيرة" ...
ذهبنا بعد أيام لرؤية خالتي وابنتها .....
كأنقى ما يكون ... كانت تلك الطفلة ..
بهرتني بشدة ... من حجمها الصغير "كالدمى" انتهاء بعينيها اللامعتين .. مرورا بشعرها الناعم ...
تلك "الزيارة" حركت في كوامني أشياء عدة ...
فكرت طويلا تلك الليلة ..... لم لا تنجب أمي طفلا أيضا ..؟!!
ابنة خالتي بنفس عمري ، وهاهي أمها قد أنجبت طفلة رائعة .. فلم لا تفعل أمي ..؟!
في الغد .....
كنت أساعد أمي في عمل فطائر بالتفاح ، وحين انتهينا .. أرخيت رأسي على حضنها ... سألتها بطهر :
- ماما .. هل لي بسؤال ..؟!
- ماذا يا حبيبتي ..؟!
- إذا طلبت منك طلبا هل ستلبينه لي ..؟!
- وما هو هذا الطلب ..؟!
- أود أن تنجبي لنا طفلة يا ماما ...
- ....................
- ماما هل تضايقت من طلبي ..؟!
- كلا يا حبيبتي لم أتضايق .. سأحاول ذلك .. أعدك ..
أحسست بقطرات "شيء" تسقط على وجهي .. كانت ساخنة .. رفعت رأسي لأرى مصدرها .. فكانت عينا أمي غارقة بالدموع ... هممت بأن أسألها عن سبب بكاءها .. لكن شعورا ما دفعني للصمت .....
في المساء .. دخلت علي أختي "خولة" .. كانت غاضبة قليلا ...
سألتني بحنق :
- أسماء ... هل رأيت حقيبتي الوردية ..؟!
- لا .. لم أرها ..
- حسنا ..
همت بالخروج من الغرفة حين ناديتها ..
- خولة .....
- ماذا حبيبتي ..؟!
- أريد أن أخبرك شيئا ... اجلسي ..
اقتربت خولة مني .. وجلست على طرف السرير وهي تتمتم "أتمنى لو تقوم شركة ما بإحصاء عدد الدمى في غرفتك" ..
- خولة ... اليوم ماما كانت تبكي ..!!
- تبكي ..!!! لماذا ..؟!
- لا أعرف .. كانت تعد فطائر التفاح .. وحين انتهينا ... جلسنا نتحدث سوية .. ثم بكت ..
- مممم وبماذا كنتم تتحدثون ..؟!
- كنت أطلب منها أن تحضر لي أختا صغيرة ... مثل خالتي ..
شهقت أختي بقوة ... واتسعت عيناها ...
- مجنونة ..!! أقسم بأنك متهورة ..!! ولماذا طلبت منها ذلك آنسة أسماء ..؟!
- لأني حقا أريد أختا صغيرة ..
خولة بنفاذ صبر :
- أسماء حبيبتي .. أنت تحبين ماما .. صحيح ..؟! وبالتأكيد لا تريدين رؤيتها حزينة .. لذا أرجوك .. لا تطلبي منها ذلك مرة أخرى ... أتعديني ..؟!
- لماذا ..؟!
- سأخبرك فيما بعد .. والآن .. هل تعدينني بأنك لن تطلبين ذلك منها ثانية ..؟!
- حسنا .. أعدك .. بشرط أن تخبريني فيما بعد ...
- لقد وعدتك بأن أخبرك .. وسأفعل ...
خرجت من الغرفة وتركتني أتخبط في حيرتي ...
- لماذا بكت أمي عندما قلت لها أريد أختا ..؟!
- وما سبب غضب خلود مني عندما أخبرتها بما دار بيني وبين أمي من حوار ..؟!
- ولم طلبت مني أن لا أطلب من أمي أختا ..؟!
لكني سرعان ما تجاهلت الموضوع .. وانشغلت بالدمى التي تملأ علي حياتي ... حين وصلت إلى المرحلة المتوسطة ..... ازداد تعلقي بالأطفال / بالدمى / بحلم الأمومة ... تخليت مكرهة عن الكثير من الدمى .. فأنا الآن "كبيرة" على اللعب بالدمى ..!!
لم يتبق عندي سوى دمية واحدة بحجم الطفل الوليد ... وبضع دمى صغيرة ... الدمية الأكبر كان لها نصيب الأسد من الاهتمام ... أشعر معها وكأني أتعامل مع طفل حقيقي ..!!
استطعت الاحتفاظ بها بعد إقناع أمي بأني أحتاج ل طفل / دمية ..
وكنت أحيانا أشتري بعض الدمى التي تستهويني بشدة ... ولا أستطيع مقاومتها .....
اهتمامي / عشقي للأطفال يزداد يوما بعد يوم ...
مجرد رؤية طفل يبكي / يتألم كان كفيلا بجعلي أبكي ...
كنت أرى في الأطفال سحرا رائعا .. رغم وصولي للمرحلة الثانوية ... لا تزال غرفتي زاخرة بالدمى ..!!
وكثيرا ما كنت أرتاد أماكن مخصصة للأطفال ... وأجلس على أحد الكراسي أتأمل الأطفال .....
عشقي للأطفال / للدمى وتعلقي بها يزداد يوما بعد يوم ... حتى غدا الأمر خارج حدود المعقول ..!!
ذات مساء ... كنت أساعد أمي في ترتيب غرفة المكتب ... كنت أقوم بتنظيم بعض الأوراق ورمي ما لا نحتاجه منها ... سقطت بين يدي ورقة قديمة صفراء ... مكتوب على ظهرها بخط اليد ... مظهر الورقة المتهالك ... دفعني لقراءة محتويات هذه الورقة ..
كانت ورقة من جهة رسمية ... على يسار الورقة يوجد شعار ما ... أظنه شعارا لمستشفى ...
إنها تقرير طبي ..!!!
تقرير طبي بعملية استئصال لرحم أمي ..!!!
تاريخ العملية كان بعد تاريخ ولادتي بشهرين تقريبا ..!!!
أقلب الورقة لأرى ما كتب خلفها ..
إنه خط أمي ..!!!
[ اليوم ..... فقدت أغلى ما يمكن أن تملكه "امرأة" .. فقدت أنوثتي ... وأمسى حلم الأمومة سرابا يستحيل الوصول إليه مجددا ] .....
يا إلهي ..!!!
كيف لم أعلم بهذا من قبل ..؟!!
كيف لم ألاحظ ..؟!!
كيف استطاعت أمي أن تواري حزنها عني ..؟!!
عادت بي الذاكرة إلى الوراء ...
يوم بكت أمي ... لأني طلبت منها "أختا صغيرة" ...
تذكرت ردة فعل "خولة" .. حين أخبرتها ببكاء أمي ..... ومحاولاتها الدائمة لجعلي أتوقف عن ذكر الأطفال أمام أمي ...
مرت أيام على اكتشافي للأمر ... لكن التفاصيل لا تزال مبهمة بالنسبة إلي ...
فضولي دفعني بجرأة لسؤال "خولة" عن الأمر ... فهي على كل حال قد وعدتني بأن تخبرني .....
[ حسنا ... ما دمت قد عرفت بالأمر ... سأخبرك بكل التفاصيل .. عند ولادة أمي لك .. أصابها نزيف حاد .. لكن المستشفى قاموا بعمل الإجراءات اللازمة ... وبعد أيام .. مرضت أمي مرضا شديدا .. أصيبت بالحمى .. وبعد الفحص .. اتضح أن أحد الأدوات المستخدمة في علاجها لم تكن معقمة كفاية ... مما سبب التهابا شديدا في الرحم .. اضطر الأطباء لاستئصال رحم أمي ... لئلا يتطور الأمر إلى سرطان ] ...
بعد أيام من تلك الحادثة ... كنت أقف أمام عتبات الجامعة .. كنت قد عزمت على أمر ما ...
مدت إلي الموظفة ورقة لأكتب فيها القسم الذي أريد الإلتحاق به ...
كتبت في أول الخيارات :
- الطب ...
ودست لأول مرة على ميلي الشديد للإنجليزية .. واضعة إياها كخيار بديل إن لم يتح لي دخول الطب ...
حين تم قبولي في قسم الطب ... لم تسعني الدنيا من الفرحة يومها .. الحلم الذي رسمته في مخيلتي قد بدأ يتحقق ...
زميلاتي في الجامعة يضحكن دائما من حبي الشديد للأطفال ... يعلقن على كتبي التي لا تكاد تخلو من صور الأطفال بين صفحاتها ...
لم يستغرب أحد ممن حولي حين تخصصت في طب الأطفال ... كانوا يعلمون بمدى عشقي للصغار ... لكن لا أحد منهم يستطيع تصور إحساسي / رغبتي / حلمي في أن أكون أما ...
في نهاية الصيف الماضي ... أخبرتني أمي بأنه قد تقدم لي "رجل" يعمل طبيبا نفسيا ...
وبعد السؤال والتحري ... وافق أبي .. ولم أعارض ..
الفرحة التي تغمرني حينها أكبر من أن توصف بعدة كلمات .....
الحلم الذي عشت عليه طويلا .. يقترب مني كثيرا ...
"الشيء" الدافئ الذي كنت ألجأ إليه .. ألمحه قريبا ... قريبا جدا ..
"الشعور" الذي كنت أغرق نفسي فيه باستمتاع ... أحسه يغرقني هذه المرة ......... سأكون أما ..!!
مر على زواجي خمسة أشهر ... وهاجس يؤرقني / يقض مضجعي ..
أخبرت زوجي برغبتي في زيارة الطبيب ... لكنه نصحني بالانتظار قليلا .. متعللا بأن الوقت لا يزال مبكرا ...
مرت سنة كاملة ... ومخاوفي تزداد شيئا فشيئا ...
خوفي أن يظل الحلم .. مجرد حلم ..
حلمي بأن أتحسس حركته في أحشائي ...
بأن أحضنه ... وأستنشق رائحته ... رائحة طفلي / إبني / حبيبي ...
حلمي بأن أطعمه ...
حلمي بأن أمسك بيده الصغيرة وهو يخطو أولى خطواته المتعثرة ...
حلمي أن ألقنه أولى كلماته التي تتعثر عند فيه الصغير ...
حلمي أن أساعده في دروسه ...
حلمي أن أفرح بنجاحه ...
حلمي الذي تطاول وامتد حتى وصل إلى رؤية زوجته وأبناءه ...
حين أستمع لشكوى بعض الأمهات وتذمرهن من شقاوة أبناءها .. أو من كثرة أطفالها وإصرار زوجها على إنجاب من الصغار .. أو حتى إعتراف إحداهن بأنها تتناول دواء لمنع الحمل دون علم زوجها ... لا أملك إلا أن أكتم عبرتي .. وأجتر الألم بصمت ..
بعد خمس سنوات من زواجي .. كنت أستقل الطائرة مع زوجي بهدف العلاج ... أخبرنا أحد الأطباء أن هناك أملا ضئيلا للعلاج في الخارج .. أملا ضئيلا في أن أصبح أما ...
عندما سافرنا ...اكتشفت أمرا علمتني إياه الحياة بقسوة .......... الألم ، هو ما تشعر به وحدك .. ومهما بلغ إحساسك بالألم ، لن يستطيع أحد ممن حولك أن يحس به .. مهما بلغ تعاطفه معك .. سيبقى كل الألم لقلبك / لك وحدك .. لتستطيع الإحتفاء به كاملا .. ربما ..
رغم أن الطبيب لم يكن يتحدث العربية التي لا أجيد لغة غيرها .. إلا أنه قد جمعت بيننا لغة ما ... ذات صباح .. عيناه الزرقاوان ترجمتا لي ما كان يود إيصاله لي ولزوجي .. نظراته المليئة ب العطف / ب الشفقة ..
كانتا قادرتان على قول كل شيء ... كل شيء ..
" لن أصبح أما " ...
منقووووووووووووووووووول
كان حلم الأمومة "شيئا" دافئا ألجأ إليه كل ما ضيق الزمن خناقه علي ..
فما إن إغرق نفسي ب "تفاصيل الشعور" حتى تتلاشى كل ذرات الشعور السيء لدي ...
في صغري .....
سريري كان ينام عليه ما يربوا على العشرين دمية ... اهتمامي بها يأخذ جل وقتي .. كنت الطفلة الصغرى في الأسرة ... وكثيرا ما استمعت لتعليقات ساخرة من أخوتي .. على اهتمامي الزائد بالدمى ... غير أني لم أكن أنصت إليها مطلقا ..
في نهاية الصيف الماضي ... لاحظت أن خالتي متعبة / شاحبة قليلا ... ومع كل "خميس" نجتمع فيه .. كنت ألاحظ انتفاخ بطنها شيئا فشيئا ... حين سألتها ذات يوم .. أخبرتني بأنها تحمل في أحشاءها طفلا .....
ذات "خميس" لم تأت خالتي ...
أخبرتني أمي بأنها أنجبت "طفلة" ..
وأخبرتني ابنة خالتي بأنه أصبح لديها "أخت صغيرة" ...
ذهبنا بعد أيام لرؤية خالتي وابنتها .....
كأنقى ما يكون ... كانت تلك الطفلة ..
بهرتني بشدة ... من حجمها الصغير "كالدمى" انتهاء بعينيها اللامعتين .. مرورا بشعرها الناعم ...
تلك "الزيارة" حركت في كوامني أشياء عدة ...
فكرت طويلا تلك الليلة ..... لم لا تنجب أمي طفلا أيضا ..؟!!
ابنة خالتي بنفس عمري ، وهاهي أمها قد أنجبت طفلة رائعة .. فلم لا تفعل أمي ..؟!
في الغد .....
كنت أساعد أمي في عمل فطائر بالتفاح ، وحين انتهينا .. أرخيت رأسي على حضنها ... سألتها بطهر :
- ماما .. هل لي بسؤال ..؟!
- ماذا يا حبيبتي ..؟!
- إذا طلبت منك طلبا هل ستلبينه لي ..؟!
- وما هو هذا الطلب ..؟!
- أود أن تنجبي لنا طفلة يا ماما ...
- ....................
- ماما هل تضايقت من طلبي ..؟!
- كلا يا حبيبتي لم أتضايق .. سأحاول ذلك .. أعدك ..
أحسست بقطرات "شيء" تسقط على وجهي .. كانت ساخنة .. رفعت رأسي لأرى مصدرها .. فكانت عينا أمي غارقة بالدموع ... هممت بأن أسألها عن سبب بكاءها .. لكن شعورا ما دفعني للصمت .....
في المساء .. دخلت علي أختي "خولة" .. كانت غاضبة قليلا ...
سألتني بحنق :
- أسماء ... هل رأيت حقيبتي الوردية ..؟!
- لا .. لم أرها ..
- حسنا ..
همت بالخروج من الغرفة حين ناديتها ..
- خولة .....
- ماذا حبيبتي ..؟!
- أريد أن أخبرك شيئا ... اجلسي ..
اقتربت خولة مني .. وجلست على طرف السرير وهي تتمتم "أتمنى لو تقوم شركة ما بإحصاء عدد الدمى في غرفتك" ..
- خولة ... اليوم ماما كانت تبكي ..!!
- تبكي ..!!! لماذا ..؟!
- لا أعرف .. كانت تعد فطائر التفاح .. وحين انتهينا ... جلسنا نتحدث سوية .. ثم بكت ..
- مممم وبماذا كنتم تتحدثون ..؟!
- كنت أطلب منها أن تحضر لي أختا صغيرة ... مثل خالتي ..
شهقت أختي بقوة ... واتسعت عيناها ...
- مجنونة ..!! أقسم بأنك متهورة ..!! ولماذا طلبت منها ذلك آنسة أسماء ..؟!
- لأني حقا أريد أختا صغيرة ..
خولة بنفاذ صبر :
- أسماء حبيبتي .. أنت تحبين ماما .. صحيح ..؟! وبالتأكيد لا تريدين رؤيتها حزينة .. لذا أرجوك .. لا تطلبي منها ذلك مرة أخرى ... أتعديني ..؟!
- لماذا ..؟!
- سأخبرك فيما بعد .. والآن .. هل تعدينني بأنك لن تطلبين ذلك منها ثانية ..؟!
- حسنا .. أعدك .. بشرط أن تخبريني فيما بعد ...
- لقد وعدتك بأن أخبرك .. وسأفعل ...
خرجت من الغرفة وتركتني أتخبط في حيرتي ...
- لماذا بكت أمي عندما قلت لها أريد أختا ..؟!
- وما سبب غضب خلود مني عندما أخبرتها بما دار بيني وبين أمي من حوار ..؟!
- ولم طلبت مني أن لا أطلب من أمي أختا ..؟!
لكني سرعان ما تجاهلت الموضوع .. وانشغلت بالدمى التي تملأ علي حياتي ... حين وصلت إلى المرحلة المتوسطة ..... ازداد تعلقي بالأطفال / بالدمى / بحلم الأمومة ... تخليت مكرهة عن الكثير من الدمى .. فأنا الآن "كبيرة" على اللعب بالدمى ..!!
لم يتبق عندي سوى دمية واحدة بحجم الطفل الوليد ... وبضع دمى صغيرة ... الدمية الأكبر كان لها نصيب الأسد من الاهتمام ... أشعر معها وكأني أتعامل مع طفل حقيقي ..!!
استطعت الاحتفاظ بها بعد إقناع أمي بأني أحتاج ل طفل / دمية ..
وكنت أحيانا أشتري بعض الدمى التي تستهويني بشدة ... ولا أستطيع مقاومتها .....
اهتمامي / عشقي للأطفال يزداد يوما بعد يوم ...
مجرد رؤية طفل يبكي / يتألم كان كفيلا بجعلي أبكي ...
كنت أرى في الأطفال سحرا رائعا .. رغم وصولي للمرحلة الثانوية ... لا تزال غرفتي زاخرة بالدمى ..!!
وكثيرا ما كنت أرتاد أماكن مخصصة للأطفال ... وأجلس على أحد الكراسي أتأمل الأطفال .....
عشقي للأطفال / للدمى وتعلقي بها يزداد يوما بعد يوم ... حتى غدا الأمر خارج حدود المعقول ..!!
ذات مساء ... كنت أساعد أمي في ترتيب غرفة المكتب ... كنت أقوم بتنظيم بعض الأوراق ورمي ما لا نحتاجه منها ... سقطت بين يدي ورقة قديمة صفراء ... مكتوب على ظهرها بخط اليد ... مظهر الورقة المتهالك ... دفعني لقراءة محتويات هذه الورقة ..
كانت ورقة من جهة رسمية ... على يسار الورقة يوجد شعار ما ... أظنه شعارا لمستشفى ...
إنها تقرير طبي ..!!!
تقرير طبي بعملية استئصال لرحم أمي ..!!!
تاريخ العملية كان بعد تاريخ ولادتي بشهرين تقريبا ..!!!
أقلب الورقة لأرى ما كتب خلفها ..
إنه خط أمي ..!!!
[ اليوم ..... فقدت أغلى ما يمكن أن تملكه "امرأة" .. فقدت أنوثتي ... وأمسى حلم الأمومة سرابا يستحيل الوصول إليه مجددا ] .....
يا إلهي ..!!!
كيف لم أعلم بهذا من قبل ..؟!!
كيف لم ألاحظ ..؟!!
كيف استطاعت أمي أن تواري حزنها عني ..؟!!
عادت بي الذاكرة إلى الوراء ...
يوم بكت أمي ... لأني طلبت منها "أختا صغيرة" ...
تذكرت ردة فعل "خولة" .. حين أخبرتها ببكاء أمي ..... ومحاولاتها الدائمة لجعلي أتوقف عن ذكر الأطفال أمام أمي ...
مرت أيام على اكتشافي للأمر ... لكن التفاصيل لا تزال مبهمة بالنسبة إلي ...
فضولي دفعني بجرأة لسؤال "خولة" عن الأمر ... فهي على كل حال قد وعدتني بأن تخبرني .....
[ حسنا ... ما دمت قد عرفت بالأمر ... سأخبرك بكل التفاصيل .. عند ولادة أمي لك .. أصابها نزيف حاد .. لكن المستشفى قاموا بعمل الإجراءات اللازمة ... وبعد أيام .. مرضت أمي مرضا شديدا .. أصيبت بالحمى .. وبعد الفحص .. اتضح أن أحد الأدوات المستخدمة في علاجها لم تكن معقمة كفاية ... مما سبب التهابا شديدا في الرحم .. اضطر الأطباء لاستئصال رحم أمي ... لئلا يتطور الأمر إلى سرطان ] ...
بعد أيام من تلك الحادثة ... كنت أقف أمام عتبات الجامعة .. كنت قد عزمت على أمر ما ...
مدت إلي الموظفة ورقة لأكتب فيها القسم الذي أريد الإلتحاق به ...
كتبت في أول الخيارات :
- الطب ...
ودست لأول مرة على ميلي الشديد للإنجليزية .. واضعة إياها كخيار بديل إن لم يتح لي دخول الطب ...
حين تم قبولي في قسم الطب ... لم تسعني الدنيا من الفرحة يومها .. الحلم الذي رسمته في مخيلتي قد بدأ يتحقق ...
زميلاتي في الجامعة يضحكن دائما من حبي الشديد للأطفال ... يعلقن على كتبي التي لا تكاد تخلو من صور الأطفال بين صفحاتها ...
لم يستغرب أحد ممن حولي حين تخصصت في طب الأطفال ... كانوا يعلمون بمدى عشقي للصغار ... لكن لا أحد منهم يستطيع تصور إحساسي / رغبتي / حلمي في أن أكون أما ...
في نهاية الصيف الماضي ... أخبرتني أمي بأنه قد تقدم لي "رجل" يعمل طبيبا نفسيا ...
وبعد السؤال والتحري ... وافق أبي .. ولم أعارض ..
الفرحة التي تغمرني حينها أكبر من أن توصف بعدة كلمات .....
الحلم الذي عشت عليه طويلا .. يقترب مني كثيرا ...
"الشيء" الدافئ الذي كنت ألجأ إليه .. ألمحه قريبا ... قريبا جدا ..
"الشعور" الذي كنت أغرق نفسي فيه باستمتاع ... أحسه يغرقني هذه المرة ......... سأكون أما ..!!
مر على زواجي خمسة أشهر ... وهاجس يؤرقني / يقض مضجعي ..
أخبرت زوجي برغبتي في زيارة الطبيب ... لكنه نصحني بالانتظار قليلا .. متعللا بأن الوقت لا يزال مبكرا ...
مرت سنة كاملة ... ومخاوفي تزداد شيئا فشيئا ...
خوفي أن يظل الحلم .. مجرد حلم ..
حلمي بأن أتحسس حركته في أحشائي ...
بأن أحضنه ... وأستنشق رائحته ... رائحة طفلي / إبني / حبيبي ...
حلمي بأن أطعمه ...
حلمي بأن أمسك بيده الصغيرة وهو يخطو أولى خطواته المتعثرة ...
حلمي أن ألقنه أولى كلماته التي تتعثر عند فيه الصغير ...
حلمي أن أساعده في دروسه ...
حلمي أن أفرح بنجاحه ...
حلمي الذي تطاول وامتد حتى وصل إلى رؤية زوجته وأبناءه ...
حين أستمع لشكوى بعض الأمهات وتذمرهن من شقاوة أبناءها .. أو من كثرة أطفالها وإصرار زوجها على إنجاب من الصغار .. أو حتى إعتراف إحداهن بأنها تتناول دواء لمنع الحمل دون علم زوجها ... لا أملك إلا أن أكتم عبرتي .. وأجتر الألم بصمت ..
بعد خمس سنوات من زواجي .. كنت أستقل الطائرة مع زوجي بهدف العلاج ... أخبرنا أحد الأطباء أن هناك أملا ضئيلا للعلاج في الخارج .. أملا ضئيلا في أن أصبح أما ...
عندما سافرنا ...اكتشفت أمرا علمتني إياه الحياة بقسوة .......... الألم ، هو ما تشعر به وحدك .. ومهما بلغ إحساسك بالألم ، لن يستطيع أحد ممن حولك أن يحس به .. مهما بلغ تعاطفه معك .. سيبقى كل الألم لقلبك / لك وحدك .. لتستطيع الإحتفاء به كاملا .. ربما ..
رغم أن الطبيب لم يكن يتحدث العربية التي لا أجيد لغة غيرها .. إلا أنه قد جمعت بيننا لغة ما ... ذات صباح .. عيناه الزرقاوان ترجمتا لي ما كان يود إيصاله لي ولزوجي .. نظراته المليئة ب العطف / ب الشفقة ..
كانتا قادرتان على قول كل شيء ... كل شيء ..
" لن أصبح أما " ...
منقووووووووووووووووووول
mustafajalal- مشرف
- الجنس :
عدد المساهمات : 315
تاريخ التسجيل : 07/05/2011
العمر : 40
الموقع : mg_mg25@yahoo.com
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى